العنف الأسري: أبي قتل أمي

Amani Haydar

Amani Haydar in her studio Source: John Feder, The Australian

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

أماني حيدر عاشت حياة اجتماعية مقيدة وُحرمت من والدتها في ظروف بشعة. تجربتها مع هجرة والديها الى أستراليا تتمحور حول خط رفيع بين التوقعات التي يفرضها المهاجرون على أطفالهم، وقسوتهم في إجبار أبناءهم على تلبية هذه التوقعات. أماني تقف اليوم مثالا حيا لمكافحة العنف ضد المرأة بعد أن قُتلت والدتها على يد أبيها قبل خمس سنوات.


استمعوا إلى قصة أماني حيدر بالضغط على الرابط الصوتي المرفق بالصورة أعلاه.

أو عبر منصات البودكاست المفضلة لديكم هنا

"أنا أشياء كثيرة لا ينتمي أي منها إلى والدي. المعارك التي خضتها لجعله فخوراً بي لم يعد لها معنى عندما قتل أمي."

لطالما أحبت أماني الرسم، منذ سنواتها الأولى، كانت معلمتها في الحضانة فخورة برسوماتها، وحاولت لفت نظر أمها لموهبتها.

"طلبت من أمي أن تشتري لي لوازم الرسم بدلاً من الألعاب في أعياد ميلادي، وقد فعلت ذلك بشرط ألا يلهيني ذلك عن دراستي."
Finalist in the 2018 Archibald Prize. Currently on Display at Fairfield City Museum and Gallery
Finalist in the 2018 Archibald Prize. Currently on Display at Fairfield City Museum and Gallery Source: Amani Haydar
أماني حيدر هي فنانة ومحامية من غرب مدينة سيدني. تستخدم اليوم الفن البصري والكتابة لاستكشاف الأبعاد الشخصية والسياسية للإساءة والخسارة والهوية والصمود.
حلقات بودكاست الهوية

بودكاست الهوية - My Arab Identity

كان والداها فخوران بموهبتها، ولكن كانا حريصين على كبح جماح إبداعها، "الفن ليس مهنة ولا تنسَ واجبك المدرسي".

"لم يكن أبي يعتقد أن الفن شيء جديّ. كان يحب الحديث عن الدراسة والتاريخ، معربًا دائما عن أسفه عن الحرب في لبنان والاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، والحديث عن قصص من طفولته. كان يحب الناس المحافظين الذين يحملون شهادات وألقاب."
كان يقول: "اهدفي واسعي للوصول إلى القمر، وإن فشلت لابد وأن تهبطين بين النجوم".
كان والد أماني سائق سيارة أجرة بالرغم من حصوله على درجة الماجستير في اللغويات. كان مؤهلاً لترجمة اللغة الإنجليزية إلى العربية، وكانت إحدى هواياته حفظ التعابير الإنجليزية والعامية الأسترالية.

قال لي والدي "يجب أن تكوني طبيبة أو مدرسة، هذه وظائف جيدة للمرأة التي تملك عائلة."

هنا تساءلت أماني عن هذا الهدف الذي وضعه لها والدها، "امرأة مع عائلة، هل كان هذا القمر أم النجوم؟"

"بالكاد كنت امرأة ولم أفكر في تكوين أسرة. ومع ذلك، كنت أعرف أنه عندما يحين الوقت لاتخاذ قرارات جادة بشأن مستقبلي، كان علي الاختيار بين مجموعة من الخيارات التي من شأنها إرضاء والدي. يجب أن تكون مناسبة لفتاة؛ شيء لا يعتمد على السفر، أو الرجوع الى المنزل في وقت متأخر من الليل."

ولكن قبل أن تصل الى مكان اختاره والدها لها في المستقبل، كانت بحاجة للدخول إلى المدرسة الثانوية الانتقائية الخاصة بالفتيات – سانت جورج في منطقة كوجرا.

"كنت أرغب بالالتحاق بهذه المدرسة بشدة لأرضي والدي ولأسباب أخرى"

التحقت أماني بمركز للتدريس المكثف لمادة الرياضيات لتتمكن من اجتياز امتحانات القبول إلى هذه المدرسة.

"بعد بضعة أسابيع من التدريس المكثف في مركز تدريب في بلمور، في فصل من الطلاب الموهوبين من خلفيات صينية وكورية، بدا هدفي غير واقعي."

"حصلت على حوالي أربعة درجات من أصل عشرين في امتحانات مادة الرياضيات، لستة أسابيع متتالية."

بعد عدة سنوات، عندما قررت أماني أن تتزوج، تقدم زوجها لطلب يدها من أبيها، وحينها تباهى والدها بابنته الرائعة.
أخبر زوجي بفخر في الفناء الخلفي من منزلنا "لم أرفع يدي عليها أبداً!
Burnout Culture (2019) by Amani Haydar
Burnout Culture (2019) by Amani Haydar Source: Amani Haydar
هنا تذكرت أماني أول مرة صفعها والدها، كانت في الصف التاسع وكانت تجلس معه لدراسة الرياضيات:

"كان أبي يعلمني تحويل الكسور إلى نسب مئوية. كنت أشعر بالإحباط وأحاول جاهدة استيعاب تلك العملية الحسابية. كرهت نفسي بسبب عدم قدرتي على الاستيعاب. وشعرت بالحرج لأنني لم أكن أعرف الإجابة، وبالذنب لأن والداي كانا ينفقان الكثير من المال والوقت على تعليمي."

هذه المشاعر دفعتها للبكاء، فصرخ عليها والدها، "لماذا تبكين؟"

"خجلت ولم أعد قادرة على السيطرة على عواطفي، فأجهشت بالبكاء."

أثناء بكائها كانت أماني تتخيل هذا الموقف: "لن أتمكن من دخول المدرسة الانتقائية، وسأفشل في إنهاء المدرسة الثانوية و ينتهي بي الحال مشردة تحت جسر في مكان ما، أتعاطى المخدرات، وارتدي قميصا ممزقا وحذاء مثقوبا!"

قبل أن تتمكن من تمالك نفسها شعرت بحرقة الصفعة التي نزلت على خدها.
عندما سحب يده بعيدًا، أحسست بحرارة شديدة وكأن خدي سينفجر وبدأ أنفي في النزيف. لم أعرف أين أوجه نظري، انتهى الدرس، وسقطت قطرات الدم والدموع على صفحات كتاب المذاكرة.
تأملت أماني في أسباب صفعها حينها لأول مرة: "نادرا ما فشلت، أو ارتكبت أخطاء أو بكيت، على الأقل ليس أمامه."

في المنزل كان والدها يتشاجران بلا نهاية وبشكل متكرر إلى حافة الطلاق.

"في المدرسة، كنت مشغولة وسعيدة مع الأصدقاء، لكن لم يُسمح لي بالتواصل معهم في عطلات نهاية الأسبوع أو العطلات الأخرى."

كانت مادة الفنون هي المادة المفضلة لديها في المدرسة. لكن لم يكن باستطاعتها الرسم في المنزل: "بينما كانت الفتيات في الصف التاسع يخفين السجائر وأصدقائهن الشباب، كنت أخفي إبداعي ورسوماتي."
Amani Haydar and her sisters collecting their mother's Salwa Haydar graduation certificate.
Amani Haydar and her sisters collecting their mother's Salwa Haydar graduation certificate. Source: Amani Haydar
كانت أماني تدرس طوال فترة ما بعد الظهيرة حتى تتمكن من العمل على أعمالها الفنية ليلا في السر دون علم والديها.

"في تلك السنة حصلت على تقرير سيء عن مادة الرياضيات."

كان التقرير يقول "تحتاج أماني أن تبذل مجهودا أكبر لفهم محتوى المادة وإنهاء واجباتها المدرسية في الوقت المحدد. أماني بحاجة إلى التركيز على عملها في الفصل وبذل جهد أكبر."
تتذكر أماني وقع التقرير على أبيها: كان هذا التقرير بمثابة نهاية العالم لوالدي.
ذهبت أماني مع والدها للقاء المدرس في اجتماع خاص، وقال المدرس: "أماني تتحدث كثيرا في الفصل."

شعرت أماني وقتها بغصة في قلبها من الخوف، وكان تأثير الأمر على أبيها هائلا: " كان أبي محترما في ذلك الوقت، تدنى رأسه ليغوص في بحر عميق من العار. لم يعد ينظر الي. كان آسفا لأنه كان له أي علاقة بتدريسي كسور الرياضيات."
مقتطفات من بودكاست الهوية

My Arab Identity بودكاست الهوية

فتشت أماني عن نظرة العار التي كست وجه والدها يومها بعد خمسة عشر عاما عندما واجه والدها محكمة أسترالية بتهمة قتل والدتها: "دخلت إلى قاعة المحكمة وفتشت في وجهه بحثاً عن نظرات عار مشابهة عندما نطق القاضي بالحكم أنه مذنب دون جدوى." قالت أماني "أردت إيجاد أسباب لعدم كرهه، أردت تهدئة بعض من الغضب الذي كنت أشعر به."

كانت علاقة والديها قد انتهت بالفعل قبل الواقعة، واتفقا على بيع منزلهما والانتقال إلى منازل جديدة. لم يمض وقت طويل حتى عاد والدها للعيش مع والدتها في منزلها لمنح الأسرة فرصة أخيرة، ولكن بعد تجدد الخلافات قرر الوالدين الانفصال نهائيا.
The late Salwa Haydar in 1987 before she moved to Australia.
The late Salwa Haydar in 1987 before she moved to Australia. Source: Amani Haydar
حزم الأب حقائبه وسافر إلى لبنان في إجازة كان من المفترض أن تستمر ستة أسابيع، لكنه قطعها بعد ثلاثة أسابيع، لتفاجأ به الأم في شقتها من جديد، اندلع خلاف بينهما انتهى بأن طعن والدها والدتها حتى فارقت الحياة.
في قاعة المحكمة لم يبد والدها أي أمارات للندم: عندما جاء ضباط المحكمة لتقييد يديه، نفخ أبي صدره ورفع رأسه عالياً. ولوح شاكرا لأفراد من عائلته على وجودهم هناك.
تقارن ذاكرة أماني بين مشاعر والدها حينها ومشاعره عندما تلقت تقرير سيئا في الرياضيات: "قال لي حينها إنه لم ينوي أبدًا البقاء في أستراليا، لكنه بقي هنا لإتاحة الفرص لأطفاله ليكونوا ناجحين. وقال أيضا إن حياته كلها ستضيع هدرًا إن فشلنا."

تتأمل أماني الآن في علاقتها بوالدها "نعرف أن والدينا قدموا تضحيات، نعرف أنهم تخلوا عن وصولهم إلى قمرهم من أجل أن يرسلونا نحن إلى النجوم. ولكن هذه في الحقيقة مجرد استماتة من أجل التعافي من الحروب في الوطن الأم ورغبتهم في أن نعيد بناء ما فقدوه هم." وأضافت: "لقد جندونا لخوض معارك لم يصبح لها معنى."

"ربما التوقعات العالية من الأهل تدفعنا للوصول إلى القمر، ولكن كيف نضع خطا فاصلا بين التوقعات واستخدام العنف لتحقيق هذه التوقعات."

هذا المقال يحتوي على نصوص من كتاب . 

لمشاهدة لوحات أماني حيدر الفنية يمكنكم التوجه الى صفحتها على موقع انستجرام: amanihaydar@

هذه الحلقة الثانية وجزء من بودكاست الهوية - My Arab Identity، الذي يحكي فيه شباب عرب أستراليون كيف يتعاملون مع التحديات التي تواجههم كحاملين لهوية مختلطة - عربية غربية. يمكنكم سماع باقي القصص وقراءتها .



استمعوا إلى قصة أماني حيدر بالضغط على الرابط الصوتي المرفق بالصورة أعلاه.

أو عبر منصات البودكاست المفضلة لديكم هنا

 

 



شارك