"ميولي الجنسية ليست بيدي": هكذا تصرفت عائلتي عندما صارحتها بمثليتي

Elias Jahshan

Elias Jahshan is an editor and journalist. He was born and raised in the suburb of Parramatta in Western Sydney. Source: Elias Jahshan

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

في هذه الحلقة من بودكاست "الهوية" يشاركنا الياس جهشان التحديات التي واجهها كطفل فقد سمعه، ومراهق أخفى هويته العربية لسنوات طويلة. وسنستمع الى رحلة اكتشاف الياس لميوله الجنسية، ونعرف ما إذا كان بعض الأهل قادرين على التخلي عن تقاليدهم الصارمة في مقابل سعادة ابنائهم؟


بدأت التحديات في حياة الياس جهشان منذ أن كان طفلا عمره 5 سنوات.

"كانت معلمتي في الحضانة تنادي اسمي وتحاول أن تجذب انتباهي ولكن من دون فائدة. اتصلت بأمي وأخبرتها أن عليها أن تأخذني لأجري فحصا لسمعي."

هرعت والدته لإجراء الفحص، وتبين أن الياس قد خسر حاسة السمع فعلا. كان الخبر صادمًا، فكيف لطفل أن يخسر سمعه بعد أن ولد وهو يسمع؟

استغرق معرفة السبب الذي حير عائلته حوالي عام، وتمكن أخصائي أذن وأنف وحنجرة من تشخيص حالته - ووجد أن ألياس يعاني من متلازمة . وتشير الأبحاث إلى أن معظم الأطفال الذين يعانون من هذه المتلازمة يصابون بقدر من فقدان السمع لاحقا.
Elias Jahshan
6 years old Elias Jahshan. Source: Elias Jahshan
نشأ الياس كما يقول في منزل مليء بالحب والاهتمام، استطاع أن يقلل من حجم الخسارة الناتجة عن فقدانه لحاسة السمع.

"والداي وإخوتي الكبار قدموا لي كل الدعم لأكون طفلا سعيدًا وانسانًا ناجحًا."

ولكن، خارج المنزل واجه الياس عالمًا لا يرحم. همسات وضحكات زملائه في المدرسة لاحقته في كل مكان.
كنت أدخل غرفة وأرى بعض الأطفال يضحكون، وكنت على الفور أشعر بأنهم يضحكون عليّ، لكنني لم أستطع أن أعرف أبدًا، ولم يكن لدي أي فكرة، ولم أستطع سماع ما يتحدثون عنه حتى لو كانوا قريبين. كان بإمكاني سماع أصواتهم، لكنني لم أستطع فهم ما كانوا يقولون.
يذكُر الياس أن عائلته ومنذ سن صغير كانت تزرع في نفسه وفي نفوس إخوته حب الثقافة العربية، وكان يسمع من والده الكثير من القصص عن مسقط رأسه فلسطين، ومن والدته عن مسقط رأسها لبنان.  

ويقول إن والديه كانا فخورين دائما بثقافتهما العربية، وكان دائما يشعر بأن ارتباط العائلة بالثقافة العربية وعاداتها وتقاليدها وارتباط أفراد العائلة ببعضهم البعض يعتبر ارتباطا مقدسا. وحرص ومن سن صغير على أن يجعل والديه وإخوته الكبار فخورين به.

"كنت أرى فيهم مثلي الأعلى في الحياة. ونظرًا لأنني كنت الأصغر سنًا، كانت هناك توقعات مني.  وكنت دائما أشعر بأنني تحت رقابة مضاعفة من والديّ لأتفوق في المدرسة، واخوتي الذي كان أصغرهم يكبرني باثني عشر عاما. ولكن، الضغط الذي وضعوه عليّ لا يمثل شيئًا مقارنة بالضغط الذي وضعته على نفسي لأجعلهم فخورين بي."
Elias Jahshan
Elias Jahshan celebrating his 21st birthday with his parents. Source: Elias Jahshan
ومع مرور الوقت واجه الياس في المدرسة الثانوية تحديات جديدة أكبر وأكثر تعقيدا مرتبطة بهويته الفلسطينية والعربية. اذ اضطر أن يخفي هويته الفلسطينية حتى يستطيع الاندماج في المجتمع من حوله.

"كانت أحداث الانتفاضة تعرض على جميع وسائل الاعلام، وكانت تعرض الفلسطينيين وكأنهم إرهابيون، وكانت هذه الموجة قبل أحداث 11 سبتمبر."

"ولكن أحداث 11 سبتمبر أضافت ضغطا إضافيا على الضغوط الذي يتعرض لها أي شخص فلسطيني عربي. وظهرت الإسلاموفوبيا، لكن كانت هناك أيضا العنصرية تجاه العرب بشكل عام سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين. أعتقد أن كل هذا لعب دورًا في الشعور بالخزي الذي شعرت به لكوني فلسطينيًا."

كان وقتها من الحكمة بالنسبة له أن ينسب أصوله إلى لبنان فقط، وخاصة أمام الأستراليين والجنسيات الأخرى، ولكن حتى هذا الحل وضعه في وضع صعب.
"في بعض الأحيان، كان إخبار الناس بأنني لبناني يأتي مع مجموعة من التحديات الأخرى، متعلقة بعمليات الاغتصاب الجماعي التي كانت تحدث في غرب مدينة سيدني في ذلك الوقت. وكيف كنا (العرب) نتصدر الصفحات الأولى لجميع الصحف الشعبية: "اغتصاب العصابات يقودها شباب بسمات شرق أوسطية"."

تحديات الهوية الثقافية والصور النمطية عن المهاجرين العرب استهلكت من طاقته كثيرا، لدرجه أنه تجاهل حقيقة مهمة جدا في هذا العمر، وهي ميوله الجنسية.
في أول مرة أحسست بشيء غريب، كان عمري اثنتي عشرة سنة ونصف. كنت في كرنفال للسباحة تنظمه مدرستي. وأتذكر أنني كنت جالسا بعيدا في عالمي الخاص وأنظر الى الأولاد الآخرين وهم يرتدون زي السباحة. لم أفهم ما كان ذلك الاحساس إلا في وقت لاحق عندما كبرت قليلا، كانت تلك يقظتي. أعتقد أن هذه كانت اللحظة التي استيقظت فيها تمامًا.
ومثلما أخفى هويته الثقافية من قبل وعزل نفسه اجتماعيا، استطاع الياس جهشان أن يرفض مثليته الجنسية ويحاربها حتى وصل الى الجامعة، وتمكن من إقناع نفسه ومن حوله بانجذابه للفتيات.

"كنت أخبر الناس أن هذه الفتاة تعجبني وتلك الفتاة أعجبتني.  تحدثت بصراحة عن كل الفتيات في حياتي اللواتي اعتقدت أنني معجب بهن، ولكن لم تكن تلك الحقيقة. كان الأمر أشبه بمحاولة لأن أثبت للناس أنني لست مثليًا."

بالنسبة له، كان قبول مثليته الجنسية يعني أنه لن يكون "الابن العربي الصالح" في عيون عائلته.

"كانت هذه الحقيقة ستجعل مني الابن السيء، بغض النظر عن عدد الأشياء الجيدة الأخرى التي قمت بها، وذلك بسبب وصمة العار التي تأتي مع كونك مثلي الجنس والمثلية الجنسية في ثقافتنا العربية."
Elias Jahshan
الحلقة الأولى من الموسم الثاني لبودكاست الهوية مع الياس جهشان. Source: Elias Jahshan
بعد أن أتم العشرين عاما، استسلم أخيرا أمام ميوله الجنسية وسلم بالأمر الواقع، ولكن بالخفية. وفي آخر سنه في الجامعة كان من أحد المشاركين في برنامج تبادل الطلاب بين أستراليا وفرنسا. وبينما كان في فرنسا شعر بالحرية لاكتشاف هذا الجانب من هويته بعيدا عن أهله وأقاربه وأصدقائه.

وعاد الياس بعد بضعة أشهر الى استراليا، من هذه الرحلة التي أعطته دفعة كبيرة ليبوح بالسر الذي أجهده كتمانه لسنين. وقرر أن يخبر إخوته في بادئ الأمر قبل أن يسمعوا به من شخص غريب. ولجأ لأولاد عمته ليساعدوه في هذه المهمة. وبالفعل قام أولاد عمته بترتيب هذا اللقاء الحاسم بالخفية عن الأهل، في غرفة في فندق، من دون إعطاء أي مقدمات عن سبب الاجتماع الطارئ.

"كنت أفكر في هذا لأيام وأيام، وفي ذهني، كنت أحسب ما يمكنني قوله وكيف سأقوله. لكن كل ما استطعت أن أقوله حينها كان وأنا أنظر إلى الأرض:
أنا مثلي الجنس
"ثم عدت إلى زاوية الكرسي وكل الأفكار السيئة التي يمكن أن تحدث تدور في ذهني."

لم تكن رده فعل أخيه الأكبر مرحبة بالخبر، وكانت ملامح الغضب على وجهه كفيله بأن تٌشعر الياس بخسارة حب أخيه واحترامه مدى العمر. وقد يتساءل البعض، في بلد مثل أستراليا التي تدعم حقوق المثليين وتسمح بزواجهم، ما سبب خوف الياس او أي شخص في مكانه من الإفصاح عن ميوله الجنسية؟

"كبرت وأنا أسمع التعليقات المهينة حول الأشخاص المثليين ولذا كنت أفكر لو قلت لعائلتي الحقيقة فمن الممكن أن تربطني بكل الصور النمطية السلبية وأنا لا أريد هذا. لم أكن أريد أن أكون الشخص المنبوذ بهذه الطريقة."

وكان يشعر برعب شديد من أن تقوم عائلته بالتبرؤ منه أو مقاطعته.

"لم أستطع أن أتخيل أن أنقطع عن عائلتي، لأنه ومنذ سن مبكرة، يحفر في ذهنك أن الأسرة هي أهم شيء وأن ثقافتنا وهويتنا هي عائلتنا وهذا شيء غير قابل للتبديل."
Elias Jahshan
Elias Jahshan with his mother in Saida, Lebanon 2011. A part of a bigger trip around the Middle East Source: Elias Jahshan
لحسن الحظ، لم يقاطع الأخوة الياس. ولكن أخاه فضّل أن يرفض الحقيقة ويتجاهلها. ومرت بعض السنوات. وللأسف، تدهورت صحة والده وكان على فراش الموت. ورفض الياس إخبار والده بالحقيقة قبل أن يتوفى. لم يكن جاهزا للمواجهة ولم يكن الزمان ولا المكان مناسبين لتحميل أي فرد من أفراد العائلة عبئا أكبر من عبء خسارة والدهم.

عنما بلغ الياس من العمر 24 عاما دخل في أول علاقة رسمية له مع رجل. وبعد عام من مرور العلاقة، وما جاء معها من نوم خارج المنزل والسهر لساعات طويلة خلال الليل، بدأت والدته تشك بغرابه سلوكه وظنت أنه يتعاطى المخدرات، وواجهته لمعرفة الحقيقية.

"لا أمي أنا لا أتعاطى المخدرات."

قالت: "إذًا ماذا تفعل؟ أخبرني أخبرني. أنا خائفة من أنك تخفي شيئًا عني ".

قلت: "أريد أن أخبرك يا أمي، لكني لا أستطيع. أنا أعلم أنه إذا أخبرتك، سوف تشعرين بالحزن وخيبة الأمل مني."

قالت: "هل تبيت مع الأصدقاء؟"

قلت: "نعم، أنا أبيت مع الأصدقاء."

قالت: "هل هن فتيات؟"

قلت: "لا، لسن فتيات."

قالت: "هل هم شباب؟"

"نظرت حينها نظرة في عينيها، حتى أنني لم أجب بنعم أو لا، كانت النظرة التي أكدت كل شيء لها."

وقلت: "إنه شاب واحد يا أمي."

انهارت والدة الياس رافضة الحقيقة وقررت أن تتجاهلها. وبالرغم من الحزن الذي شعر به الياس في هذا اليوم، الا أنه شعر بالراحة لأنها عرفت منه وليس من أحد غريب.

ومرت بعض السنوات على هذا الحال.

عندما بلغ الياس 30 عاما قرر السفر الى لندن ليعمل هناك، وهي المدينة الى عشقها وشعر بارتباط فيها عندما زارها خلال فترة دراسته في فرنسا.  قد يكون النصيب أو القدر هو الذي حمل الياس مرة ثانية للندن، ليجد فيها نفسه، وحكاية حب غيرت حياته.
Elias Jahshan
Elias Jahshan and his Partner Aaron. Source: Elias Jahshan
"انضممت إلى فصل للرقص هناك، وكان آرون في نفس الفصل الذي كنت فيه. وهكذا التقينا. لقد أعجبت به كثيرا. بعد انتهاء العرض الأخير، قلت لنفسي ما زلت أريد التحدث إلى هذا الرجل. لذلك طلبت منه الخروج معي لتناول الغداء مرة. وهذا الموعد الغرامي أسفر عن علاقة استمرت أربع سنوات، ونحن متزوجون منذ عام 2018."

إذا كان تجاهل ورفض حقيقة ميول الياس الجنسية سهلا على والدته وأخيه لسنين قبل أن يقرر الزواج، فلن يكون من السهل عليهما أن يتجاهلا الواقع عندما قرر فعلا أن يتزوج ويستقر.

"حقيقة أنهم تقبلوني على ما أنا عليه كرجل مثلي الجنس، وأنهم يقبلون آرون في الأسرة هو أمر مهم للغاية، لأنني لا أستطيع تخيل حياتي بدون عائلتي وأعتقد أن هذا شيء مهم لكل شخص عربي خصوصا الذين يعيشون في الشتات."

وبالرغم من هذه النهاية المريحة لصراع الياس مع هويته لسنين طويلة، الا أن التحديات أمامه لم تنتهِ، ولكنه على الأقل سعيد وراضٍ عن نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى.

"هناك الكثير من التناقضات التي تأتي مع هويتي المختلطة. إنها فوضوية جدا. أنا مثلي، أنا أصم، أنا عربي، أنا أسترالي، ومهاجر يعيش في المملكة المتحدة أيضًا. وأعتقد أنه لا بأس بهذه الفوضى. أنا أريد فقط أن أكون ... أريد فقط أن أكون أنا، كما أنا."

الياس جهشان، محرر وصحفي. ولد ونشأ في ضاحية Parramatta في غرب مدينة سيدني. يتحدر من أصول فلسطينية ولبنانية، وقد عمل على مدار عامين ونصف محررًا لصحيفة Star Observer المنفذ الإعلامي الأكبر في أستراليا للمثليين وأصحاب الهويات الجنسية المتنوعة. جهشان هو المحرر الوحيد في تاريخ الصحيفة الممتد على مدار 39 عاما من خلفية ثقافية مختلفة. عمل سابقا في صحف News Corp، ونشرت أعماله في SBS و The New Arab كما كان عضوا سابقا في مجلس إدارة المجلس العربي أستراليا.

يمكنكم الاشتراك في بودكاست الهوية عبر البحث عن  على منصات تحميل البودكاست المفضلة لديكم للاستماع الى الحلقات الجديدة أسبوعيا فور صدورها.


شارك