عراقية أسترالية: لهذه الأسباب تمردت على التقاليد

Youth

بودكاست الهوية Source: Getty Images

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

تمردت راما* على ما يعتبره مجتمعها ثوابت دينية واجتماعية. تواجه صراعاً دائماً بين حمل هويتين ثقافيتين مختلفتين والعيش في عالمين لا يمتان لبعضهما بصلة. تحترم راما معتقدات أهلها وتوقعاتهم لها كفتاة من أصول عراقية مندائية، لكنها ترغب في التحرر من أي قيود لا ترى أهمية لها في حياتها.


اضطرت عائلة راما* لترك العراق بسبب الأحداث التي أعقبت الغزو الأميركي عام 2003. حيث أصبح العيش في بغداد محفوفا بالمخاطر خاصة بسبب انتمائهم إلى الطائفة المندائية.

وبالفعل تحققت أسوأ مخاوفهم: "تعرض والدي للخطف في عملية مخطط لها سلفا في بغداد استهدفت الرجال المندائيين الذين يعملون في صياغة الذهب. وواجه أبي التهديد والابتزاز والضرب والتعذيب حتى اعتقدنا أنه قتل، ولكن تم العثور عليه بعد ذلك."
كانت الصور التي وثقت إصاباته الناجمة عن التعذيب هي التي ساعدت في عملية رحيلنا عن العراق.
راما
انتقلت العائلة إلى الأردن المجاور، ومن هناك تقدمت الأسرة بطلب اللجوء إلى أستراليا. وانتظروا هناك لثلاث سنوات كاملة. وشعروا انهم كانوا مهددين بترحيلهم في أي لحظة."

"خلال هذا الوقت، لم نتمكن من الالتحاق بالمدرسة. كان على أمي وأبي العمل في وظائف مؤقتة ومتنوعة وقصيرة الأجل في عمان لتغطية نفقات معيشتنا."

جاء الفرج، وصدرت تأشيرات لجوؤهم ووصلوا بالفعل إلى سيدني عام 2008. تبدل شعورهم بالخوف إلى الأمان والشتات إلى استقرار. ولكن ظهرت مصادر جديدة للقلق في حياتهم الجديدة.
شعر والداي بالراحة، والامتنان لأستراليا بالتأكيد. لكن كانت هناك مشاعر أخرى متضاربة من الصعب وصفها، كيف لشخص أن يشعر إزاء فراره إلى بلاد الغرب التي تمول الحروب وأيديولوجياتها وأسلحتها الكيماوية التي تزيد من شتاتنا؟
راما
أما راما وإخوتها وبحكم صغر سنهم، وقدرتهم السريعة على التأقلم وتعلم اللغة، كانت عملية الاندماج أسهل عليهم من الوالدين، خاصة أن مدرسة الأطفال الابتدائية كانت في غرب مدينة سيدني المعروفة بالتعددية الثقافية. لكن تعرضت راما للسخرية من زملائها في المدرسة بسبب جسدها النحيل والصغير، الذي كان يعطي انطباعا أنها تعاني من سوء التغذية.

لم يمسح التأقلم السريع من ذاكرتها كل ما حدث في العراق، فجرس إنذار الحريق كان كافيا لإعادة الذكريات الأليمة لذهن راما. كانت تشعر برعب شديد في كل مرة تقوم المدرسة بتدريبهم على ما يجب فعله في حالات الطوارئ وتشغيل صفارة الإنذار، حيث كانت تتذكر أيام الحرب في العراق وتجارب أهلها. وخاصة تجربة خالتها وأطفالها الذين حاولوا اللجوء إلى أستراليا عن طريق القوارب، وتاهوا في الرحلة المميتة، ولم يعد لهم أثر منذ عام 2012.

"كنت أشعر بالضيق عندما يقول لي الآخرون أنني محظوظة لأني أعيش في بلد يوفر الأمان والتعليم والخدمات الأساسية... لم أفهم لماذا يعد هذا امتيازًا وليس حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان."

وسعت راما مع مرور الوقت لاستيعاب معطيات حياتها الجديدة، والتأقلم مع هذه الحياة، ولكن ما نما بداخلها هو إحساسها بالتشتت والضياع وليس الانتماء. شعرت كما لو كانت تفقد بوصلتها للمستقبل وإحساسها بهويتها وأصلها.
استمع لمقتطفات من بودكاست الهوية

My Arab Identity بودكاست الهوية

وبدأت راما في رحلة "مخيفة"  للبحث عن نفسها وهويتها وشغفها في الحياة: "واجهت صعوبات في هذا الأمر، أحيانا كنت أجد نفسي مرعوبة وعالقة في فوضى شغفي وتجاربي، وبين الهدف الأسمى الذي أسعى لتحقيقه في حياتي."

ووجدت راما ضالتها في دراسة الفلسفة والعلوم، التي مكنتها من التسلح بالمعرفة اللازمة لتكوين هوية مستقلة تعارض في أحيان كثيرة التدين المحافظ لوالديها.
غمرت نفسي في التعليم، العلوم والفلسفة، وشعرت بالحيرة والتناقض. الماركسية والوجودية ساعدوني في استيعاب موازين القوة فيما يتعلق بإنتاج المعرفة.
راما
هذه المعرفة مكنتها من رؤية أبعاد جديدة للقواعد المحافظة التي كان يحاول والداها فرضها عليها وعلى أخوتها والتي تتعلق بالمعتقدات الدينية للمندائية. اكتسبت مع الوقت عقلية ناقدة وضعت العادات والتقاليد والضوابط الشرقية المتعارف عليها في موضع المساءلة.

وكلما طرحت راما الأسئلة كلما شعرت أنها محاصرة وأن الدين مفروض عليها بالقوة: "لم أتمكن من رؤية الدور الذي لعبه الدين في حياة والداي وكيف ساعدهما على التماسك في أوقات الشدة. أردت أن أصنع الطريق الخاص بي وأن أكتسب القوة اللازمة لتوجيه نفسي نحو حريتي."

"ومع الوقت تعلمت أن أسامح والداي. لقد فعلا أكثر مما في وسعهما، بالنظر إلى وضعهما وتجاربهما والأهوال التي مروا بها سابقا."

وعندما بدأت راما في التعبيرعن نفسها وعن أفكارها الجديدة، شعرت أن صوتها المختلف بين أبناء طائفتها، يهدد الروابط الهشة التي تربطها بأصولها الثقافية.

وكانت آراؤها بخصوص العلاقات الجنسية من نقاط الصدام القوية مع مجتمعها.
أنا تقدمية على الصعيد الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بحقوق النساء في الإجهاض والتشريع الأخير الخاص بالمساواة في الزواج مع المثليين. شاركت في احتجاجات تدعم تلك الحقوق وأعبر عن آرائي بشكل علني على مواقع التواصل الاجتماعي.
راما
"تحدى البعض للفكرة التقليدية للجنس باعتباره يهدف إلى "التكاثر"، يسبب خلافا داخل مجتمعنا، وعادة ما يتم عزل وإبعاد الشباب الذين يعبرون عن توجهاتهم الجنسية خارج إطار الزواج."

وتخالف راما في معتقداتها هذه السيدات الأكبر سنًا من داخل مجتمعها واللاتي يربين بناتهن على كبح رغباتهن باعتبار أن إطلاق العنان لها سيؤدي إلى بث الفوضى في محيطهن.

"هذه الأفكار تشعرني بالإحباط، لماذا يرفضون الحرية؟ ولماذا اتعرض للإسكات إن أردت أن أعبر عن رأيي داخل مجتمعي؟ كنت أرغب أن أكون أكثر انفتاحا وأن أتعرف على مجتمعي، وعلى الظروف التي شكلته وعلى الأهوال التي تعرض لها، ولكن يتم إسكاتي، ولأن لغتي العربية ليست في مستوى يسمح لي أن أخوض تلك النقاشات، فإن ذلك يضيف حاجزا إضافيا أمامي."
تعرفوا الى بودكاست الهوية

بودكاست الهوية - My Arab Identity

ولا ترغب راما في التراجع عن نهجها في التعبير عن ذاتها والدفاع عن حرية الشباب والحياة التي يختارونها لأنفسهم.

وتعتقد أن على جميع الشباب العربي في أستراليا خوض تجاربهم الخاصة بمعزل عن التعاليم التي يتم فرضها عليهم.
يجب عليهم أن يستمروا في التعلم، ومعرفة ثقافتهم ولغتهم الأم والاحتفاء بها. وأنه لا يوجد شيء مثالي أو تام في هذا العالم وأنه لا بأس من شعور الإنسان بالتشظي. لا بأس من الشعور أنك ما زالت في طور النضوج، والأهم أن يستمروا في الحديث عن ما بداخلهم، عليهم رفض إسكاتهم والاستمرار في الحديث بصوت عال.
راما
راما حصلت على شهادة الثانوية العامة في عام 2018، وتكمل الآن بكالوريوس في القانون والدراسات الدولية في جامعة التكنولوجيا في سيدني.

وعملت كمنظمة للاستشارات الدولية المتعلقة بشؤون اللاجئين (GRYC) مع مجموعة من الشباب، وهي سفيرة الشباب في برنامج قيادة الأصوات العشرين وهي عضو دائم في اللجنة التوجيهية الجماعية للشباب Youth Collective Steering Committee، التابعة لمنظمة خدمات اعادة التوطين الدولية SSI في سيدني.

هذه الحلقة السابعة من بودكاست الهوية - My Arab Identity، الذي يحكي فيه شباب عرب أستراليون كيف يتعاملون مع التحديات التي تواجههم كحاملين لهوية مختلطة - عربية غربية. يمكنكم سماع باقي القصص وقراءتها .

* ليس اسمها الحقيقي

شارك